أحكام الصيام في شهر رمضان
أحكام الصيام في شهر رمضان
الحمد لله الملك الديان، والصلاة والسلام على حبيبنا محمد سيد ولد عدنان، وعلى آله وصحبه الأطهار وشموس الزمان، وبعد:
فإن الصيام لغةً الإمساك ومنه قوله تعالى عن مريم: {إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْماً}، أي إمساكاً وسكوتاً عن الكلام، وشرعاً إمساك مسلم مميِّز عن المفطرات من الفجر إلى المغرب.
والأصل في وجوبه قبل الإجماع آية {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ}. وقد كان الصيام في الأمم السابقة لقوله تعالى: {كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ}، ولكن الله خص أمة نبينا محمد بالصيام في شهر رمضان فضلاً منه وكرما، قال تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ}.
أقبل شهر رمضان المبارك يحمل إلينا في صيام أيامه عبادةً عظيمة خصها الله بخصائص، منها ما ورد في الحديث القدسي الذي أخرجه البخاري: قال الله تعالى [كل حسنةٍ بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلاَّ الصيام فإنه لي وأنا أجزي به].والصيام هو الإمساك عن إدخال كل ما له حجم من منفذ مفتوح إلى الرأس أو البطن أو الجوف أو الأمعاء سواء كان ماءً أو دواء أو غير ذلك، من الفجر حتى المغرب مع النية المبيتة بالقلب.
مراقبة هلال رمضان
ويجب مراقبة هلال رمضان ليلة الثلاثين من شعبان، لأنه يجب صيامه لأحد أمرين:
1- رؤية هلال رمضان ليلة الثلاثين من شعبان.
2- إكمال شعبان ثلاثين يوماً.
لقوله صلَّى الله عليه وسلم: "صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غمَّ عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين يوماً" رواه البخاري ومسلم.
أمَّا من لم يرى هلال رمضان في ليلة الثلاثين من شعبان فإنه يأخذ بقول مسلم ثقة عدل غير كاذب.
فقد روى أبو داود عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: أخبرت النبي صلى الله عليه وسلم أني رأيت الهلال فصام وأمر الناس بالصوم. صححه ابن حبان.
رمضان - شرائط وجوب الصيام
والصيام واجب على كل مسلم بالغ عاقل قادر على الصيام.
ولا يصح من الكافر الأصلي ولا المرتد ولا يصح من حائض ولا نفساء.
ولا يجب على الصبي، ولكن إذا أكمل عشر سنين قمرية من العمر يجب على وليه أن يضربه على تركه الصيام إن كان يطيقه ولا يجب عليه القضاء إن أفطر.
ولا يجب على المجنون ولا قضاء عليه، ولا يجب أداؤه على المريض الذي يضره الصوم، ولا المسافر سفراً طويلاً وعليه القضاء. ولو صام المريض والمسافر صح منهما، وإذا ضرهما حرم عليهما.
ولا يجب على العجوز الفاني مخافة التلف والموت.
رمضان - فرائض الصيام
وفرائض الصيام اثنان:
1- النية:
ومحلها القلب فلا يشترط النطق بها باللسان. وهي واجبة لكل يوم من رمضان في ليلته ولا يصح الصيام بدونها يقول بقلبه: "نويت الصيام يوم غد من شهر رمضان" وعند البعض يكفي أن ينوي في ليلة اليوم الأول منه عن جميع أيام رمضان فيقول بقلبه: "نويت صيام ثلاثين يوماً عن شهر رمضان هذه السنة".
ولا يضر الأكل والنوم والجماع بعد النية وقبل طلوع الفجر.
ومن نام ليلاً ولم ينوي الصيام حتى استيقظ بعد الفجر وجب عليه الإمساك عن المفطرات وعليه قضاء هذا اليوم من رمضان. أما صوم النفل فلا يشترط في نيته التبييت. فلو استيقظ بعد الفجر ولم يشرب ونوى صيام هذا اليوم قبل الزوال أي قبل دخول وقت صلاة الظهر تطوع لله تعالى صح له.
2- الإمساك:
الإمساك عن الأكل والشرب وعن إدخال كل ماله حجم، ولو كان أجزاء صغيرة كدخان السيجارة، إلى الرأس أو البطن أو الأمعاء ونحوها من منفذ مفتوح كالفم أو الأنف، أو القبل أو الدبر من الفجر إلى المغرب.
ومن أكل ناسياً أو شرب ولو كثيراً لم يفطر ولو في صيام النفل، ففي الحديث الصحيح "من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه" رواه البخاري.
ومن أدخل شئ إلى فمه كإصبعه عمدا فأخرج القيء أفطر، ولو لم يرجع منه شيء إلى الجوف لحديث النبي صلى الله عليه وسلم: "من ذرعه القيء (أي غلبه) وهو صائم فليس عليه قضاء ومن استقاء فليقضِ". رواه الأربعة.
كما يجب الإمساك عن الجماع وإخراج المني بالاستمناء بنحو اليد والمباشرة فأنه مفطِّر.
رمضان - وقت المغرب والفجر
ولما كان وقت الصيام من الفجر حتى المغرب وجب معرفة طرفي النهار على كل مكلف بالصيام أي الفجر والمغرب.
والفجر: هو البياض المعترض في الأفق الشرقي، والمغرب: هو مغيب قرص الشمس كله.
فمن أكل بعد الفجر معتقداً أن الفجر لم يطلع فسد صومه ولزمه القضاء وعليه الإمساك عن المفطرات باقي النهار فإن كان اجتهد فأكل ثم تبين له أنه دخل الفجر لم يأثم كأن اعتمد على صياح الديك المجرب.
أما لو أكل قبيل مغيب قرص الشمس معتقداً أنه قد غربت الشمس ثم تبين له خلاف ذلك فسد صومه ولزمه قضاء هذا اليوم. والَّذي يأكل بدون عذر قبيل الغروب فقد أثم. قال تعالى: {ثمَّ أتموا الصيام إلى الليل} سورة البقرة [187].
وغروب الشمس علامة على دخول الليل.
وكذلك يجب على المسلم الثبوت على الإسلام واجتناب ما يخرجه عن الإسلام من قولٍ أو فعلٍ أو اعتقادٍ وذلك على الدوام في رمضان وغيره. ومن وقع في الكفر وهو صائم فسد صومه وعليه العودة فورًا إلى الإسلام و القضاء.
رمضان - مفسدات الصيام
والَّذي يبطل الصيام أشياء هي:
1- الأكل: ولو قدر سمسمة أو أقل عمداً غير مكره عالماً بالتحريم، والشرب ولو قطرة ماء أو دواء.
ولا يضر غبار الطريق أو غربلة دقيقٍ لعسر التحرز منه. ومن بالغ في المضمضة والاستنشاق فدخل الماء إلى جوفه أفطر.
وإذا أخرج ريقه من فمه إلى خارج الشفة ثمَّ ردَّه وبلعه أفطر. أما ما دام متصلاً باللسان فلا يفطر إن بلعه.
وإذا جمع ريقه في فمه وابتلعه صرفاً أي غير متغير لم يضر. أما ابتلاع البلغم ففيه تفصيل:
فإن كان البلغم بلع من ظاهر الفم فإنه يفطِّر، وإن كان مما تحت مخرج (( الحاء)) فلا يفطر.
والبلغم لا يفطر عند الإمام أبو حنيفة ولو بلعه بعد وصوله إلى اللسان. أما إذا بلع ريقه المتغير بدخان السيجارة التي شربها قبل الفجر أو غيرها أفطر.
2- وإذا غلبه القيء ثمَّ انقطع القيء ثم بلع هذا الريق قبل أن يُطَهّر فمه فسد صيامه لأن هذا الريق تنجس بالقيء الذي وصل إلى الفم.
أما الدخان الذي يصل إلى جوف الصائم من غيره كمن يشرب سيجارة قربه فإنه غير مفطر.
وكذلك دخان البخور وشم العطور فلا يفطر.
والقطرة في الأنف والأذن مفطرة. وكذلك الحقنة في القبل، وعلى قول: ((القطرة في الأذن لا تفطر))، أما القطرة في العين فهي غير مفطرة. والإبرة في الجلد لا تفطّر.
3- ومن أغمي عليه في نهار الصيام وأفاق ولم يستغرق كل اليوم لا يفطر، أما إذا استغرق الإغماء كل اليوم من الفجر حتى الغروب لم يصح صيامه. أما إذا طرأ جنون عليه ولو لحظة أفطر.
4- وكذا إذا طرأ على المرأة حيض أو نفاس ولو قبيل الغروب بقليل أفطرت.
5- ويفسد الصيام بالجماع عامداً باختياره نهاراً ذاكراً للصيام ولو لم ينزل المني.
أما من جامع ناسياً فلا قضاء عليه. أما الصائم النائم إذا احتلم فلا يفطر، بخلاف خروج المني منه بالمباشرة أو الاستمناء بنحو اليد عمداً لا ناسياً.
ومن استيقظ جنباً من جماع أو غيره. فإنه يصوم نهاره ويغتسل للصلاة. فعن عائشة رضي الله عنها: "كان رسول الله صلَّى الله عليه وسلم يدركه الفجر وهو جُنُبُ من أهله ثمَّ يغتسل و يصوم"، رواه البخاري. وتقبيل الزوجة المحرك للشهوة حرام لكنه لا يفطر إذا لم ينزل المني.